د شيماء نصار تكتب: مقاومة الأدوية…الخطر القادم في مواجهة الأمراض والأوبئة

في العقود الأخيرة، شهد العالم تقدمًا طبيًا هائلًا في علاج الأمراض المعدية بفضل المضادات الحيوية والأدوية المضادة للميكروبات. ومع ذلك، أصبح الاستخدام المفرط وغير المنظم لهذه العلاجات يشكل تهديدًا خطيرًا على الصحة العامة،

يتمثل هذا التهديد في ظاهرة مقاومة الأدوية أو مقاومة مضادات الميكروبات (AMR)، حيث تفقد الأدوية فعاليتها، وتصبح الأمراض البكتيرية والفيروسية والطفيليات أكثر صعوبة في العلاج.

هذه الظاهرة لا تؤثر فقط على الإنسان، بل تمتد أيضًا إلى الحيوانات و الدواجن والبيئة، مما يجعلها مشكلة عالمية تستوجب حلولًا عاجلة.

مقاومة الأدوية تحدث عندما تتكيف الكائنات الحية الدقيقة (البكتيريا، الفطريات، الفيروسات، الطفيليات) مع الأدوية المصممة لقتلها أو إيقاف نموها، مما يجعل هذه الأدوية أقل فعالية أو غير فعالة تمامًا. عندما تصبح العدوى مقاومة للعلاج، يمكن أن تنتشر بسرعة، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الوفيات، وزيادة تكاليف الرعاية الصحية، و كذلك زيادة الفقد في الانتاج الحيواني و الداجني و زيادة الخسائر نتيجة استخدام علاجات غير فعالة .

1.تفاقم الأمراض وزيادة معدل الوفيات: تصبح بعض الأمراض التي كانت سهلة العلاج، مثل السل و التيفود وغيرها من  الأمراض البكتيرية، مهددة للحياة بسبب عدم استجابة البكتيريا للمضادات الحيوية.

2.ارتفاع تكاليف العلاج: يحتاج المرضى المصابون بعدوى مقاومة إلى أدوية أقوى وأكثر تكلفة، مع الحاجة إلى الإقامة في المستشفيات لفترات أطول.

3.تهديد الإنجازات الطبية: الإجراءات الطبية الحديثة مثل زراعة الأعضاء والعلاج الكيميائي للسرطان تعتمد على فعالية المضادات الحيوية للوقاية من العدوى. في حال استمرار انتشار المقاومة، قد تصبح هذه العلاجات غير آمنة.

4.انتشار البكتيريا المقاومة عالميًا: يمكن أن تنتقل البكتيريا المقاومة عبر السفر والتجارة الدولية، مما يجعلها مشكلة عابرة للحدود تتطلب تعاونًا عالميًا لمواجهتها.

تلعب المضادات الحيوية دورًا مهمًا في الوقاية من الأمراض وعلاجها في الإنتاج الحيواني، لكنها تُستخدم أحيانًا بشكل مفرط لتعزيز النمو وتحسين الإنتاجية، مما يؤدي إلى انتقال البكتيريا المقاومة من الحيوانات إلى الإنسان عبر الغذاء والبيئة.

لمواجهة هذه المشكلة، يتم البحث عن بدائل آمنة للمضادات الحيوية، مثل:

1.البروبيوتيك (Probiotics): بكتيريا نافعة تدعم صحة الأمعاء وتعزز المناعة لدى الطيور.

2.البريبيوتيك (Prebiotics): مواد غذائية تعزز نمو البكتيريا النافعة وتقلل من انتشار البكتيريا الضارة.

3.الزيوت العطرية الطبيعية: مثل زيت الأوريجانو والثوم، التي تمتلك خصائص مضادة للبكتيريا.

4.الأحماض العضوية: مثل حمض اللاكتيك، الذي يساعد في تهيئة بيئة معوية غير ملائمة لنمو البكتيريا الضارة.

5.التطعيمات الوقائية: تساعد في حماية الحيوانات  و الدواجن من الأمراض وتقليل الحاجة إلى المضادات الحيوية.

وضعت منظمة الصحة العالمية خطة عالمية لمكافحة مقاومة مضادات الميكروبات، تتضمن:

1.زيادة الوعي: إطلاق حملات توعية للجمهور والمهنيين الصحيين حول مخاطر سوء استخدام المضادات الحيوية.

2.تعزيز نظم الرصد: إنشاء أنظمة مراقبة فعالة لرصد معدلات المقاومة وتحليل أسبابها.

3.تعزيز الوقاية من العدوى: تحسين إجراءات النظافة و التطعييم لمنع انتشار الأمراض.

4.تنظيم استخدام المضادات الحيوية: وضع قيود على استخدام المضادات الحيوية في البشر والحيوانات.

5.تطوير أدوية وبدائل جديدة: دعم الأبحاث لإنتاج مضادات حيوية جديدة وبدائل طبيعية.

تركز  منظمة الـ FAO على:

•تحسين ممارسات تربية الحيوانات: تقليل الحاجة إلى المضادات الحيوية من خلال تحسين بيئات التربية وتعزيز صحة الحيوان.

•توعية المزارعين: تدريب المزارعين على استخدام المضادات الحيوية بطريقة مسؤولة.

•فرض قيود على استخدام المضادات الحيوية: منع استخدامها لأغراض تعزيز النمو في الحيوانات.

تعمل منظمة الصحة العالمية (WHO) ومنظمة الأغذية والزراعة (FAO) والمنظمة العالمية لصحة الحيوان (WOAH) وفق مبدأ “الصحة الواحدة”، الذي يربط بين صحة الإنسان والحيوان والبيئة. الهدف هو تعزيز التعاون بين هذه القطاعات لتقليل انتشار مقاومة مضادات الميكروبات.

مقاومة الأدوية هي الخطر القادم الذي يهدد الصحة العالمية، وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات حاسمة، فقد نجد أنفسنا في عالم لا تعمل فيه المضادات الحيوية، مما يؤدي إلى انتشار الأمراض دون علاج فعال. الحل يبدأ من الاستخدام المسؤول للأدوية، وتبني بدائل طبيعية، والتعاون بين الأفراد والمؤسسات لمكافحة هذه الظاهرة قبل أن يصبح الوقت متأخرًا.