ift

د محمد خليفة يكتب: الوصايا العشر لإنتاج و استخدام لقاح جديد… مرض الجمبورو نموذجاً

استاذ أمراض الدواجن – معهد بحوث الصحه الحيوانيه – مركز البحوث الزراعية. مصر

سُجل مرض الجمبورو لاول مره عام ١٩٦٢ فى مدينه جمبورو بالولايات المتحدة الأمريكية و يسببه فيروس الجمبورو الذى يحدث مرضًا مثبطًا للمناعة في الدجاج.
مرض الجمبورو يسبب عدوى دون السريرية) Subclinical )في الطيور التي يقل عمرها عن أسبوعين، و يُحدث المرض السريري ) Clinical) في الطيور التي يزيد عمرها عن أسبوعين.
وعلى الرغم من الاستخدام المكثف للقاحات فإن مرض «الجمبورو» مازال يسبب خسائر اقتصادية كبيره لصناعة الدواجن على مستوى العالم ، و يرجع ذلك إلى انه فيروس RNA و الذى يتميز بقدرته على التطور و التحور باستمرار و بالتالى يستطيع مراوغة الجهاز المناعى و المناعه الناتجة من التحصين باللقاحات التجاريه ، هذا بالإضافة إلى أن فيروس «الجمبورو» لديه القدره على مقاومه الظروف البيئيه و اجراءات التطهير التقليدية ويصعب التخلص منه فى بيئه الطيور وهكذا يستمر من قطيع إلى التالى. يعتمد مربى الدواجن فى الوقايه و التحكم فى هذا المرض على تحصين الطيور بلقاحات مثبطه ( inactivated vaccine)وحيه (live vaccine ) تحتوى على العترات الكلاسيكية و المتحوره .
لا يوجد برنامج تحصين موحد بل يحتاج الطبيب البيطرى إلى تفصيل برنامج تحصين للمرض يناسب الحاله الصحيه القطيع و الامراض الساريه فى منطقته و اجراءات الامن الحيوى المتبعه.
و فى مصر نلاحظ أن مرض «الجمبورو» ينشط من حين لآخر ويسبب زيادة معدل النفوق فى القطعان المحصنه ضد المرض وبنسب متفاوتة حسب شده الاصابه و الامراض المصاحبه والثغرات فى إجراءات الأمن الحيوى .
والتشخيص الدقيق يستلزم إجراء الفحوصات المعمليه وقد نكتشف أن هناك تحور فى الفيروس ربما استطاع أن يخترق دفاعات الطائر المناعيه. وحديثا تم رصد العتره متحوره فى عده مزارع على الرغم من اتباع برنامج تحصين كان فعال حسب ما افاد به مربى الدواجن.

و هنا يأتى السؤال الملح للمختصين: هل نحن فى حاجه الى لقاح جديد بديل للقاحات التجاريه المتاحه بهدف توفير حمايه افضل للطيور ؟
للإجابة على هذا السؤال فإنه من المهم أن نكون على علم ورؤيه وخبره عند اتخاذ قرار بإنتاج لقاح «جمبورو» جديد محليا أو استيراده من الخارج.
وكقاعده علميه معروفه فإن ظهور متحور جديد لا يعنى بالضرورة أن هناك حاجه لإنتاج لقاح جديد ، ولعل اقرب مثال مازال ماثل فى أذهاننا حاليا هو ما يصرح به المختصين عند ظهور متحور جديد لفيروس الكورونا (COVID 19) فنجد أن التوصيه هى أن اللقاحات المتاحه مازالت فعاله للوقاية من المتحور الذى ظهر حديثاً وفى حالات اخرى تكون هناك حاجة لإنتاج لقاح جديد حسب نتائج الدراسات التى تحتاج لمزيد من الوقت قبل إصدار قرار الإنتاج .
أما فى موضوع مرض «الجمبورو» فإن هناك عدد من التوصيات و الإجراءات المتدرجة و المتسلسلة نوصى بأتباعها مع ضروره التقييم العلمى مع كل إجراء قبل الانتقال الى الإجراء الذى يليه:
اولا: إجراء مسح وتقصى حقلى :
عند القيام بالتقصى فإنه يجب ان يشمل جميع قطاعات الإنتاج التجارى و الريفى مع الأخذ فى الاعتبار التوزيع الجغرافي للمنشأت الداجنه ، وأن يستمر التقصى لمده تغطى معظم فصول السنه .
وفى مصر ، فإن آخر الإحصائيات تشير إلى أن عدد مزارع الإنتاج الداجنى التجارى ضخم و غير محدد بدقه ، وفى بعض التقارير تشير إلى وجود حوالى 30 الف مزرعه مرخصه هذا بالإضافة إلى عدد غير محدد من المزارع الغير مرخصة ، و بالتالى فإنه يجب إجراء تقصى نشط و مناظره و سحب عينات من عدد لا يقل عن 300 مزرعه وذلك حسب القواعد الاحصائيه لإجراء التقصى الذى سوف يظهر نتائج معبره عن مدى انتشار و تأثير المشكله على صناعه الدواجن فى مصر .
ونود التأكيد على إنه لا يجب اتخاذ قرار انتاج أو استيراد لقاح جديد اعتماداً على دراسات بحثيه شملت عدد قليل و محدود من المزارع المصابه خلال فتره زمنيه قصيره. و بالطبع فإن وزاره الزراعه ممثله فى الهيئة العامة للخدمات البيطرية و المعمل المرجعى للرقابه البيطرية على الإنتاج الداجنى بمعهد بحوث الصحه الحيوانية منوط بهم إجراء هذا التقصى بالتعاون الوثيق مع اتحاد منتجى الدواجن.

ثانيا : إجراء الفحوصات المعمليه اللازمه

يجب عزل و تصنيف معزولة فيروس الجمبورو المتحوره ، و إجراء اختبار البصمه الجينيه لتحديد عدد و مكان الطفرات و تأثير ذلك المحتمل على الصفات البيولوجيه للمعزوله المتحوره. وكذلك دراسه مدى ارتباط المعزوله الجديده مع ما سُجل من قبل و مقارنته مع ماهو متاح من لقاحات تجاريه مستخدمه فى الحقل المصرى الاستبيان درجه التماثل بينهم. فى كثير من الأحيان تكون التحورات الجديدة ليست ذات تأثير على خواص الفيروس اى تحور صامت ( silent mutation) و هذا السيناريو متوقع فى العديد من متحورات فيروس مرض الجمبورو .
و فى المقابل قد يكون هناك تحور مؤثر يساهم فى عدم قدره اللقاحات التجاريه فى إنتاج اجسام مناعية تستطيع حمايه الطائر المحصن من الاصابه بالفيروس المتحور .
و للفصل فى هذه النتائج المعمليه فإنه يجب التحرك إلى الخطوة التالية.ث

ثالثا : إجراء تجارب على الخواص البيولوجية على العتره المتحوره بإستخدام دواجن التجارب (SPF) :

وتهدف تلك التجارب إلى تحديد مدى تأثير التحورات الجينيه على خواص الفيروس المتحور الجديد مثل قياس مدى ضراوه العتره المتحوره ( Pathogenicity )، و يتبع ذلك إجراء تجارب التحدى (challenge studies)لقياس مدى كفاءه اللقاحات التجاريه المتاحه فى حمايه الدواجن المحصنه ضد العدوى بالعتره المتحوره.
ان تجارب التحدى تعد اهم خطوه لتحديد مدى ما يمكن أن نفعله للتعامل مع هذا المتحور الجديد.
وهنا يطرح السؤال وهو هل نستمر فى استخدام اللقاحات التجاريه المتاحه أم نحتاج الى إنتاج لقاح جديد من الفيروس المتحور ؟
وقبل الاجابه فإنه يجب أولا أن نحاول أن نجرى بعض المناورات و التعديلات بما هو متاح لدينا من لقاحات تجاريه كما هو موضح فى البند الرابع والخامس.

رابعا : محاولات إجراء تعديلات على برامج التحصين المستخدمه حاليا
أن الهدف من هذا الإجراء هو دراسه احتمالية رفع قدره اللقاحات التجاريه المتاحه فى الوقايه من العتره المتحوره الجديدة .
على سبيل المثال فى حاله مرض الجمبورو يتم تعديل برنامج التحصين بعده طرق مثل تحصين كتكوت عمر يوم فى المفرخات ، أو تكرار مرات التحصين باللقاحات الكلاسيكية التى تحمى الطائر من المتحورات القديمه وربما يمتد أثرها إلى المتحورات الحديثه .
ربما نلجأ إلى التحصين بلقاحات كلاسيكيه و متحوره بدل الاعتماد على لقاحات كلاسيكيه فقط، أو التحصين بلقاحات كلاسيكيه أكثر ضراوه ( Hot vaccine) بدلا من متوسط الضراوه ( Intermediate vaccine).
أن التوصية بتعديل برنامج التحصين قد يؤدى إلى تخطى مشكله التعامل مع العديد من متحورات فيروس الجمبورو.

خامساً: تعديل مكونات اللقاحات التجاريه المتاحه
الهدف من هذا الاجراء هو رفع الكفاءة المناعية للقاحات التجاريه ، وعلى سبيل المثال يتم زياده كمية الانتجين ( Vaccine antigen mass )فى جرعه التحصين حيث أن ذلك يؤدى إلى ارتفاع ملحوظ فى مستوى الاجسام المناعيه نتيجه هذا التحصين المحسن و بالتالى زياده القدره على صد عدوى الفيروس المتحور .
فى حالات اخرى تقوم شركات اللقاحات بإدماج عترات كلاسيكيه Classic strains مختلط مع متحوره ( strains variant ) فى نفس جرعه اللقاح ( bivalent vaccine)، أو تطوير الماده المساعده ( vaccine adjuvant ) بهدف تحفيز الجهاز المناعى لإنتاج مزيد من الأجسام المضادة ( antibody response)و كذلك تحفيز دور المناعه الخلوية ( cell mediated response).
لقد ثبت علمياً أن رفع القدرات المناعيه للقاحات التجاريه improve the vaccin immunogenicity) له تأثير إيجابي فى الصد ضد العديد من المتحورات.

سادساً: انتاج لقاح جديد لفيروس الجمبورو مثبط من العتره المغايرة. ( New inactivated variant vaccine )
فى حاله عدم جدوى التعديلات و المحاولات المشار إليها فى البند الرابع و الخامس فإننا نلجأ لإنتاج و تسجيل لقاح مثبط من العتره المغايرة و قد نوافق على استيراده من الخارج. أن إنتاج اللقاحات الحديثه سواء بالطرق التقليدية conventional أو الهندسه الوراثيه molecular technology) تحتاج الى اجراء العديد من التجارب ليست محل العرض فى هذا المقال.
وبعد الترخيص فإن إستخدم هذا اللقاح المثبط يبدأ فى قطعان الأمهات و ذلك بهدف توفير المناعه الاميه فى كتكوت عمر يوم و بالتالى توفير حمايه للطائر خلال الفتره الحرجه و هى أول أسبوعين من العمر .
وقد نلجأ لإنتاج لقاح حى (live vaccine ) فى حاله التأكد من الحاجه اليه و من جدواه المناعيه ، واللقاح الحى يحتاج إلى إجراء تجارب معمليه مستفيضة على طيور التجارب (SPF chicken) و ذلك للتأكد من سلامته وعدم رجوعه إلى صورته الاولى واسترجاعه لضراوته (reverse virulence) مما يؤدى إلى رد فعل عنيف غير مرغوب فى الطيور بعد التحصين باللقاح الحى أى أنه قد يزيد الطين بله.
وأثبتت الدراسات أن بعض لقاحات الجمبورو الحيه (Hot vaccine) تؤذى الجهاز المناعى للطائر و تجعله عرضه للعدوى الثانويه بالبكتيريا أو الفيروسات الأخرى (Secondary infection ).

سابعا : تجربه اللقاح الجديد تحت ظروف الحقل (Field trials )
بعد نجاح تجربه قياس كفاءه اللقاح الجديد في تحصين طيور التجارب SPF ضد العدوى المصطنعة فى المعمل ، فإنه يجب تجربه اللقاح الجديد تحت ظروف الحقل و ينصح بتحصين القطعان فى بؤر الإصابة بمرض «الجمبورو» ومتابعة القطعان المحصنه بصوره دوريه وبدقه لاستبيان التأثير الإيجابي أو السلبي للقاح الجديد .
الخبرات السابقه أوضحت أن بعض اللقاحات قد تنجح تحت ظروف المعمل ولكن ليس لها فاعليه فى الطيور التجاريه فى مزارع الإنتاج التجارى لأسباب متعددة مثل تأثير المناعه الاميه و تداخلها مع مناعة اللقاح أو مشاكل تقنيه فى إنتاج اللقاح من حيث الثبات ورد فعل التحصين باللقاح الجديد على الدجاج التجارى.

ثامناً: التوصيه بإستخدام اللقاح الجديد فى المزارع التى تعانى من إصابات مرض «الجمبورو»
المزارع التى فشلت فيها اللقاحات التجاريه فى التحكم فى المرض هى على المستهدفة فى المقام الأول . اما القطعان المستقره أو فى مناطق لم يسجل فيها المتحور الجديد و التى تستخدم اللقاحات الكلاسيكية و لم تسجل فيها إصابات فلا داعى إطلاقاً لتغير برنامج التحصي و إستخدام اللقاح الجديد.

تاسعاً: المتابعه والتقييم الحقلى لأداء اللقاح

يجب أن نراقب أداء اللقاح الجديد خلال استخدامه لفتره طويله فى قطاعات الإنتاج التجارى المختلفه كبدارى التسمين و انتاج البيض والامهات وذلك بهدف الوصول إلى افضل توظيف له و دمجه فى برنامج التحصين و مراقبه المؤشرات الصحيه و الانتاجيه المرتبطه باستخدام اللقاح الجديد و تحديد ما هى القيمه المضافه لهذا اللقاح ؟ و هذه مهمه مشتركه بين وزاره الزراعه بالتعاون مع اتحاد منتجى الدواجن.
هذه الدراسات مهمه لتحديد مدى نجاح اللقاح و النظر فى الحاجه لاستمرار ترخيص اللقاح الجديد أو إنهاء مهمته لعدم جدواه الحقليه.

عاشراً: العمل على إعطاء اللقاح الجديد (و اللقاحات عموما) فرصه لأداء عمله على الوجه الأكمل أننا نستخدم اللقاحات للتحكم والوقايه من الامراض و تحقيق أعلى ربحيه ولكن للقصه بقيه !
لكى يؤدى اللقاح دوره علينا أن نمهد له الطريق و ذلك تحديداً بالتطبيق الفعال للأمن الحيوى و بالرعايه الصحيه المتكامله.
الأمن الحيوى يمثل خط الدفاع الأول ضد كافه الأمراض وكذلك فإن ظروف التربية و التغذيه السيئه تؤثر سلباً على أداء الجهاز المناعى للطائر ولا تعطيه فرصة لكى يستجيب مناعياً وبالتالى تفقد اللقاحات فاعليتها.

و فى الختام نود لفت الإنتباه إلى أن اللقاح هو وسيله هامه فى التحكم و الوقايه من الامراض، و فى المقابل فهو يعتبر سلاح ذو حدين فيجب استخدامه برؤيه و بعلم و خبره ، فكثيراً ما أُسيئ استخدامه و حملنا الجهاز المناعى للطائر فوق طاقته( vaccine abuse) وكلفنا المربين شراء لقاحات و بالتالى ارتفع سعر المنتج النهائي. لذا لزم التنويه أن هذه الوصايا ( الإجراءات) العشر تدعونا أن نكون على حذر عند دراسه قضية التصريح بإنتاج أو استيراد لقاحات قد لا نكون فى حاجه إليها وقد تساهم فى انتشار و تعمق المرض و ليس العكس.

 

Comments are closed.