ift

د داليا المصري تكتب: التغيرات المناخية ومنظومة الصحة الواحدة وتطبيقاتها في مجال الثروة الحيوانية

باحث اول – وحدة بحوث وانتاج مواد نانومترية- معهد بحوث الصحة الحيوانية – مركز البحوث الزراعية – مصر

ما هي منظومة الصحة الواحدة؟

نهج الصحة الواحدة هو نهج متكامل يهدف إلى تحسين صحة الإنسان والحيوان والبيئة بشكل متزامن. يعتمد هذا النهج على مبدأ أساسي هو أن صحة الإنسان مرتبطة بشكل وثيق بصحة الحيوان والبيئة ومن خلال تبني هذا النهج يمكننا تحقيق فوائد عديدة بما في ذلك الحد من انتشار الأمراض وتحسين جودة وسلامة الغذاء والمياه وحماية التنوع البيولوجي.

وبالتالي فإن هذا النهج يعمل على كسر الحواجز بين جميع القطاعات المعنية من خلال تبادل المعرفة والخبرات  والذي يمثل استثمارًا طويل الأجل في صحة الإنسان والبيئة بما يعني تعزيز الصحة العامة بشكل شامل ومستدام

أهمية مفهوم الصحة الواحدة

  1. الأمراض المشتركة

– العديد من الأمراض المعدية تصيب كل من الإنسان والحيوان، مثل الإنفلونزا والسارس وفيروس كورونا. العمل المشترك يمكن أن يساعد في رصد والسيطرة على هذه الأمراض بشكل أكثر فعالية.

  1. سلامة الغذاء:

تعتبر سلامة الغذاء من أهم القضايا العالمية التي تؤثر بشكل مباشر على صحة الإنسان ورفاهيته. وفي سياق الثروة الحيوانية، تكتسب هذه القضية أهمية خاصة نظراً للترابط الوثيق بين صحة الحيوان وصحة الإنسان. في هذا الإطار يأتي مفهوم “صحة واحدة” ليشدد على ضرورة دمج صحة الإنسان والحيوان والنبات والبيئة في نهج واحد ومتكامل والذ يعود بالنفع على المجتمعات

ان الاهتمام بصحة الحيوانات المنتجة للغذاء وضمان أن تكون بيئتها نظيفة يمكن أن يقلل من المخاطر الصحية الناجمة عن الأغذية الملوثة وكذلك انتشار مسببات الامراض المنقولة بالغذاء والتي تشكل خطورة على صحة وسلامة المستهلك.

أهمية سلامة الغذاء في مجال الثروة الحيوانية وصحة الانسان والبيئة:

  •   الحفاظ على صحة الإنسان: انتقال الأمراض من الحيوان إلى الإنسان أمر شائع لذا فإن تطبيق الممارسات الخاصة بسلامة الأغذية في مجال انتاج وتصنيع الغذاء الامن ذو الجودة العالية والتي تشمل على سبيل المثال لا الحصر الممارسات الصحية والانتاجية الجيدة (GHP & GMP) والتي تساهم في القضاء على مسببات الأمراض المنقولة بالغذاء.
  •   الحفاظ على صحة الحيوان: صحة الحيوان شرط أساسي لإنتاج غذاء آمن من خلال تطبيق الممارسات الجيد بالمزرعة والتي تتمثل في الممارسات الانتاجية (GPP) والبيطرية (GVP) والصحية  الجيدة (GHP) والنظافة والتطهير والتخلص الامن من المخلفات الحيوانية.
  • الحفاظ على بيئة صحية خالية من التلوث: الممارسات الزراعية المستدامة (GAP) تساهم في الحفاظ على صحة البيئة وتقليل التلوث.
  • تعزيز التجارة الدولية: ضمان سلامة الغذاء يفتح الباب أمام أسواق جديدة ويزيد من الثقة في المنتجات الغذائية.

يمكن تحقيق سلامة الغذاء في مجال الثروة الحيوانية من خلال ممارسات زراعية جيدة: تضمن سلامة الأعلاف والماء المستخدم في تربية الحيوانات.بالاضافة الى خلو البيئة المحيطة من الملوثات خاصة الكيميائية منها

ان سلامة الغذاء في مجال الثروة الحيوانية قضية معقدة تتطلب تضافر جهود جميع الأطراف المعنية. من خلال تطبيق مفهوم “صحة واحدة” ومن خلال الالتزام بممارسات السلامة الغذائية، يمكننا ضمان حصول الجميع على غذاء صحي .. آمن .. ذو جودة عالية محتفظ بجميع عناصره الغذائية.

  1. الصحة البيئية:

ان الحفاظ على النظم البيئية الصحية يعزز صحة الإنسان والحيوان من خلال توفير بيئات نظيفة وصحية. وتُعتبر صحة الحيوان والبيئة جزءًا لا يتجزأ من تحقق الهدف المنشود الا وهو الحفاظ على صحة الإنسان. فالأمراض التي تصيب الحيوانات يمكن أن تنتقل إلى الإنسان والعكس صحيح. لذلك فقد برز مفهوم “الصحة الواحدة” الذي هو في الاساس يرتكز على العلاقة المترابطة  بين عوامل الامان الثلاثة المتمثلة في صحة الإنسان والحيوان والبيئة.

العوامل البيئية التي تؤثر على صحة الحيوان والانسان والبيئة:

  •   الجودة الميكروبيولوجية للمياه والتربة: تلوث المياه والتربة بمسببات الأمراض يمكن أن يؤثر على صحة الحيوانات والإنسان.
  • جودة الهواء: تلوث الهواء بمواد ضارة يمكن أن يؤثر على الجهاز التنفسي للحيوانات والإنسان.
  • إدارة النفايات: التخلص غير السليم من النفايات والمخلفات الحيوانية يمكن أن يؤدي في نهاية الامر إلى انتشار الأمراض.
  • استخدام المبيدات الحشرية : الاستخدام المفرط للمبيدات الحشرية يمكن أن يؤثر على صحة الحيوانات والبيئة.
  • الاستخدام المفرط او سوء استخدام المضادات الحيوية : من شأنه ايضاً ان ينشئ اجيال جديدة من الميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية والتي يمكن أن يؤثر على صحة الحيوانات والبيئة. اضافة الى احتمالية وجود بقايا من تلك المضادات في الانسجة الحيوانية مما قد يؤثر على صحة المستهلك

أهداف منظومة الصحة الواحدة

تعتمد منظومة الصحة الواحدة على مبدأ أن صحة الإنسان والحيوان والبيئة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا. وتسعى هذه المنظومة إلى:

  •   الوقاية من الأمراض: من خلال مراقبة الأمراض والتحكم فيها في الحيوانات والبيئة.
  • الكشف المبكر عن الأمراض: من خلال أنظمة الرصد المبكروالسريع  للأمراض.
  • الاستجابة السريعة للأوبئة: من خلال خطط الطوارئ والاستجابة السريعة.
  • التعاون بين القطاعات المختلفة: مثل الزراعة والصحة والبيئة.والقطاعات الاخرى المعنية بالصحة الواحدة

أهمية الصحة البيئية ومنظومة الصحة الواحدة في مجال الثروة الحيوانية:

  • حماية صحة الإنسان: من خلال الوقاية من الأمراض التي تنتقل من الحيوان إلى الإنسان.
  • ضمان سلامة الغذاء: من خلال تطبيق ممارسات صحية في إنتاج وتداول الأغذية الحيوانية.
  • حماية البيئة: من خلال تقليل التلوث الناتج عن تربية ورعاية الحيوان.
  • تحسين الإنتاج الحيواني: من خلال توفير بيئة صحية لحيوانات المزرعة.

تعتبر الصحة البيئة ومنظومة الصحة الواحدة من أهم العوامل التي تساهم في تحقيق الأمن الغذائي والصحي. من خلال التعاون بين القطاعات المختلفة، يمكننا بناء نظام غذائي مستدام يحمي صحة الإنسان والحيوان والبيئة.

 4.التغير المناخي والتلوث:

يعتبر التغير المناخي والتلوث يشكلان تهديدًا متزايدًا على منظومة الصحة الواحدة، والتي تربط صحة الإنسان بصحة الحيوان والبيئة. في مجال الثروة الحيوانية وتؤثر على صحة الإنسان والحيوان.  يتجلى هذا التأثير بشكل واضح في عدة جوانب:

التأثيرات المباشرة:

  • انتشار الأمراض: يؤدي تغير المناخ إلى ظهور أمراض جديدة وانتشار أمراض مستوطنة من خلال توفرالظروف البيئية التي تساعد على تكاثر ونقل الأمراض.
  • الإجهاد الحراري: يعاني الحيوان من الإجهاد الحراري الشديد، مما يضعف مناعته ويزداد عرضة للأمراض.
  • تغير جودة المياه والتربة: يؤثر التلوث على جودة المياه والتربة التي يستخدمها الحيوان في الشرب والرعي، مما يؤدي إلى تسمم الحيوانات وانتشار الأمراض.
  • تغير مواطن الأحياء: يؤدي تغير المناخ إلى تغير مواطن الأحياء، مما يزيد من التفاعل بين الحيوانات البرية والحيوانات المستأنسة، ويزيد من خطر انتقال الأمراض.

التأثيرات غير المباشرة:

  •   انخفاض الإنتاجية: يؤدي التغير المناخي والتلوث إلى انخفاض إنتاجية الحيوانات، مما يؤثر على الأمن الغذائي وسبل عيش المزارعين والمنتجين والمستهلكين على حد سواء.
  • زيادة تكاليف الإنتاج: يتطلب التكيف مع التغير المناخي والتلوث البيئي الى تكاليف إضافية، مثل بناء مرافق تبريد وتوفير مياه نظيفة، مما يزيد من تكاليف الإنتاج.
  • تهديد الأمن الغذائي: يؤثر انخفاض إنتاجية الحيوانات على الأمن الغذائي، خاصة في المناطق الفقيرة التي تعتمد على الثروة الحيوانية كمصدر رئيسي للغذاء والدخل.

التأثير على صحة الإنسان:

  •   انتقال الأمراض: يمكن أن تنتقل الأمراض من الحيوان إلى الإنسان والعكس، مما يشكل تهديدًا لصحة الإنسان العامة.
  • جودة الغذاء: يؤثر التلوث على جودة المنتجات الحيوانية، مما يشكل خطرًا على صحة المستهلك.
  • مقاومة المضادات الحيوية: يؤدي الإفراط في استخدام المضادات الحيوية في الثروة الحيوانية إلى ظهور بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية، مما يهدد صحة الإنسان.

التحديات المستقبلية:

  • زيادة شدة وتواتر الظواهر المناخية المتطرفة: مثل الجفاف والفيضانات وموجات الحر، مما يزيد من الضغط على الثروة الحيوانية.
  • نقص المياه: يؤدي تغير المناخ إلى نقص المياه، مما يزيد من التنافس على المياه بين الزراعة والصناعة والمناطق الحضرية.
  • ارتفاع مستوى سطح البحر: يهدد ارتفاع مستوى سطح البحر المناطق الساحلية، مما يؤدي إلى فقدان الأراضي الزراعية والمراعي.

لتقليل هذه التأثيرات، يجب اتخاذ إجراءات شاملة تشمل:

  •   التخفيف من آثار تغير المناخ: من خلال تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة وتحسين كفاءة استخدام الطاقة.
  • التكيف مع تغير المناخ: من خلال تطوير سلالات حيوانية مقاومة للأمراض والجفاف، وتبني تطبيق الممارسات الزراعية المستدامة.
  • تحسين إدارة النفايات: للحد من التلوث البيئي.
  • تعزيز الرصد والمراقبة: لتتبع الأمراض وتقييم وادارة المخاطر.
  • بناء القدرات: لتزويد المزارعين بالمعرفة والمهارات اللازمة للتكيف مع التغير المناخي.
  • تعزيز التعاون: بين القطاعات الحكومية والخاصة والمجتمع المدني وجميع الجهات المعنية الاخرى.

 ماهي التطبيقات العملية لمفهوم الصحة الواحدة؟

– التشخيص والوقاية المشتركة*: إقامة برامج للرصد والكشف المبكر عن الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان.

– البحث العلمي: تعزيز التعاون بين العلماء في مختلف المجالات لدراسة العوامل المشتركة التي تؤثر على الصحة العامة.

– التعليم والتوعية: نشر الوعي حول أهمية الصحة الواحدة من خلال التعليم والتدريب.

– السياسات والتشريعات*: تطوير سياسات تدعم النهج المتكامل للصحة الواحدة من خلال التعاون بين الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني.

نماذج ناجحة لتطبيق مفهوم الصحة الواحدة

– برامج مراقبة الأمراض: مثل برنامج “الإنذار المبكر والاستجابة” الذي يهدف إلى رصد الأمراض المعدية وتقديم استجابات سريعة.

– الشراكات بين القطاعات: مثل الشراكة بين منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة والمنظمة العالمية للصحة الحيوانية لتعزيز صحة الإنسان والحيوان.

التحديات والحلول

– التنسيق بين القطاعات: أحد التحديات الكبرى هو التنسيق بين المجالات المختلفة. الحل يكمن في إنشاء منصات تعاونية وآليات تمويل مشتركة.

– التوعية والتدريب والارشاد: زيادة الوعي وتدريب المهنيين في جميع المجالات على أهمية التعاون والعمل المشترك لتحقيق أهداف الصحة الواحدة.

 

Comments are closed.