ift

د رحاب عبدالمنعم تكتب: مراحل تطور الإستزراع السمكي من الطرق التقليدية إلى التقنيات الحديثة

باحث امراض الأسماك – معهد بحوث الصحة الحيوانية- معمل فرعى الإسماعيليةمركز البحوث الزراعية

المقدمة:

تطور الإستزراع السمكي على مر العصور ليصبح أحد أهم القطاعات الزراعية التي تساهم في توفير الغذاء المستدام. هذا التطور جاء نتيجة لتحسين التقنيات والممارسات لتلبية الطلب المتزايد على الأسماك والمحافظة على البيئة في الوقت نفسه. وأهم المراحل التي مر بها تطور الاستزراع السمكي:

  1. البدايات القديمة

الإستزراع السمكي له جذور قديمة، إذ بدأ منذ آلاف السنين في مناطق مثل الصين ومصر. في هذه العصور، كانت الأسماك تُربى في أحواض مائية بسيطة مرتبطة بالأنهار أو البحيرات. كان يتم استغلال المياه الطبيعية لتربية الأسماك بدون أدوات متطورة، واعتمدت الممارسات على الملاحظة والتجربة.

على سبيل المثال:

  • في مصر القديمة: تظهر النقوش في المعابد كيف كان المصريون القدماء يقومون بتربية الأسماك في البرك الصغيرة. استخدم المصريون القدماء نظامًا زراعيًا متكاملًا يجمع بين زراعة المحاصيل وتربية الأسماك، خاصة في المناطق القريبة من النيل. ثم تم استخدام تقنيات جديدة مثل إنشاء خزانات مائية صغيرة لتربية الأسماك.
  • في الصين: حيث قام الصينيون بتربية أنواع من الأسماك مثل سمك المبروك في الأحواض المائية منذ حوالي 1000 عام.
  • في أوروبا: بدأت تربية الأحياء المائية لأول مرة في روما القديمة. كان الرومان، الذين أحبوا أسماك البحر والمحار، يقومون بإنشاء مزارع للمحار في مكان يسمى بالفيفاريا مثل (حمام السباحة) حيث يتم الاحتفاظ بالأسماك والقشريات التي تم صيدها في البحيرات الحية حتى يحين وقت تناولها. كانت هذه الفيفاريا تُبنى داخل المنازل الأكثر ثراءً، حيث يمكن للضيوف اختيار الأسماك التي يرغبون في تناولها.
  • في العصور الوسطى، كان الأثرياء في جميع أنحاء أوروبا هم المستخدمون الرئيسيون لحمامات الأسماك العذبة، حيث كان لديهم احتكار على الأراضي والغابات ومجاري المياه. تم اختراع زراعة المحار في القرن الثالث عشر، وظلت التقنية إلى حد كبير دون تغيير حتى الستينيات. كما هو الحال مع الصيد، كانت عقوبات الصيد غير القانوني صارمة، وكان على الأقل حظًا أن ينتظروا عدة قرون قبل أن تُقدم الأسماك الطازجة على موائدهم.

تحسين أساليب التربية في العصر الحديث

  • ظهرت مفرخات الأسماك في جميع أنحاء الغرب، وفي ستينيات القرن التاسع عشر، انتشرت أسماك السلمون في جميع أنحاء العالم، في الولايات المتحدة والهند ونيوزيلندا وحتى اليابان.
  • خلال العقود الخمسة الأولى من القرن العشرين، قاموا بتربية أنواع أخرى من الأسماك في أفريقيا، كمصدر غذائي (مثل سمك البلطي).
  • في الأربعينيات والخمسينيات، بدأت الحكومة المصرية في تنظيم وتطوير قطاع الاستزراع السمكي بشكل أكبر وتم إنشاء مراكز بحثية وتطويرية لتحسين تقنيات الاستزراع.
  • منذ التسعينيات، شهد قطاع الاستزراع السمكي في مصر نموًا ملحوظًا، مع زيادة الاستثمارات والاهتمام من قبل الحكومة والقطاع الخاص وتم استخدام تقنيات حديثة مثل الاستزراع المكثف واستخدام الأعلاف المتطورة، مما أدى إلى زيادة الإنتاج وأصبحت مصر واحدة من أكبر منتجي الأسماك في منطقة الشرق الأوسط.

الاستزراع في البيئات البحرية

شهدت العقود الأخيرة من القرن العشرين تطورًا ملحوظًا في الاستزراع السمكي البحري، حيث انتقل الاهتمام من تربية الأسماك في المياه العذبة فقط إلى تربية الأسماك في البيئات البحرية. بدأت الدول الساحلية في تطوير أقفاص بحرية خاصة لتربية أنواع مثل السلمون والبلطي. كان هذا خطوة مهمة لزيادة الإنتاجية وتوسيع نطاق المزارع السمكية.

الاستدامة والتقنيات الحديثة

مع التوجه العالمي نحو الاستدامة، بدأت ممارسات الاستزراع السمكي تركز على تقليل التأثير البيئي السلبي. تم تطوير أنظمة إعادة تدوير المياه، والتي تسمح بتدوير المياه داخل المزارع وتقليل استهلاك المياه العذبة. كما ظهرت تقنيات جديدة مثل الأحواض المغلقة التي توفر بيئة مثالية لنمو الأسماك دون الاعتماد على الموارد البحرية الطبيعية.

التطورات في منظومة الإستزراع السمكي

  • أنظمة الاستزراع متعددة المراحل: حيث يتم دمج تربية الأسماك مع المحاصيل الزراعية، كما في نظم الزراعة المائية، حيث تُستخدم فضلات الأسماك كسماد للنباتات، مما يخلق دورة إنتاج متكاملة.
  • تربية الأسماك في المياه قليلة الملوحة: تطوير تربية أنواع معينة من الأسماك في بيئات مائية ذات ملوحة منخفضة، مما يقلل الضغط على المياه العذبة ويتيح إنتاج الأسماك في مناطق بعيدة عن البحار.

الإستزراع البحرى: هو عملية تربية الكائنات البحرية في بيئات مائية مُسيطر عليها لتوفير مصادر غذائية مستدامة وزيادة العائد الاقتصادي. يُسهم في تقليل الضغط على الموارد البحرية الطبيعية ودعم الاقتصاد المحلي.

نظام البيوفلوك: هو تقنية حديثة في الاستزراع المائي تعتمد على تحويل المخلفات العضوية في المياه إلى بروتين حيوي قابل للاستهلاك من قبل الأسماك، مما ويحافظ على البيئة ويقلل من استهلاك المياه والتكاليف.

الأكوابونيك: هو نظام زراعي مائي متكامل يجمع بين تربية الأسماك وزراعة النباتات في بيئة واحدة، حيث تستفيد النباتات من فضلات الأسماك كسماد، مما يساهم في استدامة الموارد وتحقيق إنتاج غذائي فعال.

تطوير تقنيات التكاثر والتحسين الوراثي

في العقود الأخيرة، بدأت برامج التكاثر المحسنة والتعديل الوراثي تلعب دورًا كبيرًا في تطوير الاستزراع السمكي. هذه البرامج تهدف إلى تحسين سلالات الأسماك من حيث النمو السريع وعلى سبيل المثال إنتاج البلطى وحيد الجنس، مقاومة الأمراض، وزيادة كفاءة استخدام العلف. بفضل هذه التقنيات، أصبح بالإمكان تحسين جودة الأسماك وزيادة الإنتاج بطرق أكثر كفاءة واستدامة.

الابتكار في إدارة الاستزراع السمكي

ظهرت أنظمة الاستزراع المغلقة والمتحكمة تمامًا في بيئة الأسماك. هذه الأنظمة تسمح بتحكم كامل في مستويات الأكسجين ودرجة الحرارة، بالإضافة إلى تقليل أخطار الأمراض وانتشارها. كما تم إدخال طرق جديدة في إدارة مخلفات المزارع السمكية، حيث أصبحت النفايات تُستخدم كمواد عضوية لإنتاج الأسمدة.

مستقبل الاستزراع السمكي

  • مع التحديات مثل التغير المناخي والنمو السكاني، يتوقع أن يلعب الاستزراع السمكي دورًا رئيسيًا في توفير الغذاء العالمي. تسعى الأبحاث المستقبلية إلى تحسين استدامة هذا القطاع بشكل أكبر من خلال تطوير تقنيات تعتمد على الطاقة المتجددة وتقليل التلوث المائي. أيضًا، يُتوقع أن يستمر التطوير في مجالات مثل الأعلاف النباتية البديلة وتحسين تقنيات التكاثر.

الخاتمة

  • الاستزراع السمكي تطور بشكل ملحوظ من مجرد ممارسة زراعية بسيطة إلى قطاع صناعي متقدم يعتمد على تقنيات متطورة وممارسات مستدامة. مع استمرار الابتكار في هذا المجال، من المتوقع أن يستمر دوره الحيوي في تلبية احتياجات العالم الغذائية مع الحفاظ على توازن البيئة البحرية.

 

REFERENCES:

Food and Agriculture Organization (FAO). (2022). The state of world fisheries and aquaculture : towards blue transformation: FAO.

Kumar, S., & Jha, S. K. (2018). Sustainable Aquaculture: The Need of the Hour. Indian Journal of Fisheries, 65(1), 1-6. Link

Kumar, G., & Tyagi, V. K. (2020). Aquaponics: A Sustainable Approach for Food Production and Environmental Management. Renewable Agriculture and Food Systems, 35(3), 231-245. Link

Ponzoni, R., Nguyen, N. and Khaw, H. (2009). Genetic improvement programs for aquaculture species in developing countries: prospects and challenges, 18(1), 1-8.

 

Comments are closed.