بقلم الدكتورة زينب أحمد محمد – باحث صحة أغذية معمل فحوص الأغذية- جمرك الاسكندرية
إن الطعام من المتطلبات الاساسية للانسان التي لا غنى عنها. حيث ان الطعام يمد الانسان بالعناصر الغذائية اللازمة للنمو والبقاء و تعويض الانسجة التالفة والتكاثر. ولذلك يعد الامن الغذائي من احد الاهداف الرئيسية التي وردت في رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة. و تشير تقديرات شعبة السكان في الأمم المتحدة إلى أنه بحلول عام 2050 سيكون عدد سكان الأرض 9.7 مليار نسمة أي زيادة بنحو 30% عن عام 2017. وسوف يحدث كل هذا النمو السكاني في البلدان النامية.
ولذلك فإن الطلب المتزايد علي الغذاء كان دافع اساسي لمنتجي الاغذية للحفاظ على جودة محاصيلهم و مواشيهم بطرق أكثر فعالية. وكان ضمن هذه الطرق استخدام المبيدات الحشرية مما ترتب عليه خطر تعرض المستهلكين للمواد الكيميائية الضارة من خلال بقايا المبيدات التي تبقي أثناء تربية الحيوان أو أثناء معالجة المحاصيل. لذا فإن وضع حدود للمستويات القصوى (MRL) لهذه المتبقيات يضمن آمان الاغذية للتناول.
ويمكن تعريف المبيدات الحشرية هي انها مواد بيولوجية أو كيميائية تهدف إلى منع أو تدمير أو مكافحة الافات المسببة لخسائر في الإنتاج الزراعي والغذائي او لخسائر اثناء التجهيز أوالتخزين أو التسويق. ووفقاً لاستخدامها يمكن تقسيمها الي عدة انواع منها: مبيدات الفطريات (fungicides)، المبيدات الحشرية (insecticides)، مبيدات الأعشاب (herbicides).
وتترواح الخسائر الناتجة عن الافات والامراض التي تصيب النبات ما بين 10 – 30 % في الدول المتقدمة و من 40 -75 % في الدول النامية. وفقاً لما ورد عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) أنه يُستخدم أكثر من 1000 مبيد حشري حول العالم لضمان عدم تلف الأغذية أو تدميرها بسبب الآفات.
ولكل مبيد خصائص وتأثيرات سامة مختلفة. ويقدر بما يقرب من ثلثي المبيدات الحشرية (70%) المستخدمة عالميا تستخدم في البلاد النامية والثلث (30%) يستخدم في البلاد المتقدمة. وهناك العديد من المبيدات الحشرية القديمة والتي تعد الأقل تكلفة (مثل ثنائي كلورو ثنائي فينيل ثلاثي كلورو الإيثان او الدي دي تي (DDT) والليندين) والتي يمكن أن تبقي لسنوات في التربة والمياه.
وقد تم حظر هذه المواد الكيميائية من قبل الدول التي وقعت على اتفاقية ستوكهولم عام 2001، وهي معاهدة دولية تهدف إلى القضاء على أو تقليل إنتاج واستخدام المبيدات العضوية الثابتة.
وعلى الرغم من أن المبيدات الحشرية لها دور كبير في حل المشاكل الزراعية كمكافحة الأعشاب الضارة والآفات، الا ان بقايا المبيدات في البيئة لها أثار ضارة. ولهذا السبب يُعد الحد الأقصى لمستوى المتبقيات (MRL) عامل مهم في تحديد المخاطر على صحة الإنسان. ولذلك تخضع مستويات بقايا المبيدات الحشرية في الأغذية إلى التنظيم القانوني والتشريعات لتقليل آثارها الضارة.
وتعتمد سمية المبيد على خصائصه وبعض العوامل ألاخرى. على سبيل المثال، المبيدات الحشرية أكثر سمية علي الإنسان من مبيدات الأعشاب. كما انه يمكن أن يكون لنفس المادة الكيميائية تأثيرات مختلفة باختلاف الجرعات التي يتعرض لها الشخص. و يمكن أن تعتمد السمية أيضًا على طريقة التعرض، مثل البلع أو الاستنشاق أو الاتصال المباشر بالجلد او تناول الاطعمة الملوثة بقايا المبيدات الحشرية. وتُوضح الصورة التالية الطرق المختلفة التي من خلالها يمكن ان يتعرض الانسان لبقايا المبيدات الحشرية سواء كان بشكل مباشر او غير مباشر.
وقد تصل المبيدات الحشرية الي الحيوانات اما بشكل مباشر كنتيجة لاستخدام مبيدات الافات للتخلص من الحشرات والقراض والبراغيت التي قد تصيب الحيوانات او بشكل غير مباشر نتيجة تناول الحشائش او المحاصيل الزراعية المعالجة بالمبيدات الحشرية او المياه او التربة الملوثة ببقايا المبيدات الحشرية.
وتعد كل المبيدات الحشرية سامة بمستويات مختلفة، فالمبيدات الاقل سمية يمكن ان تسبب مشاكل صحية للحيوانات لو تعرضت لها بكميات كبيرة. وعليه فإن خطر حدوث مشاكل صحية للحيونات نتيجة التعرض للمبيدات الحشرية لا يعتمد على مدى سمية المكونات فقط ، ولكن أيضًا على كمية المبيد التي تم التعرض لها.
ويختلف مسار المبيد عند امتصاصه داخل جسم الحيوان حسب خصائصه الفيزيائية- الكيميائية (physicochemical properties) فالمبيدات القابلة للذوبان في الدهون (Fat-soluble) اوالمحبة للدهون (lipophilic compounds) تتراكم في انسجة الحيوان (الدهون) وتظهر في اللحمة واللبن. اما المبيدات القابلة للذوبان في الماء (water-soluble) فيمكن التخلص منها مع البول ولاتظهر في اللحمة او اللبن.
وعند استخدام المبيدات الحشرية في الحيوانات يجب الالتزام بتركز المبيد و فترة السحب (Withdrawal period) حسب توصيات الشركة المُصنعة لتجنب وجود بقايا المبيدات في لحوم الحيوانات او منتجاتها كاللبن والبيض وغيرها من المنتجات ذات الاصل الحيواني.
ويمكن تعريف فترة السحب بأنها الفترة التي يتطلبها القانون بين الاستخدام النهائي للمبيد والوقت الذي يمكن فيه ذبح الحيوان. وتسمح فترة السحب بتقليل بقايا المبيدات في أنسجة أو منتجات الحيوانات المعالجة إلى تلك التي تعتبر غير مؤثرة علي صحة الانسان.
وبالمثل في المبيدات المُستخدمة في المحاصيل الزراعية لكل مبيد فترة تسمي بفترة الانتظار او الامان او التحريم و يجب مراعاة هذه الفترة قبل أن يصبح المنتج صالحاً للإستهلاك. يهدف احترام هذه الفترة إلى الحفاظ على سلامة المستهلك عبر إنتاج محصول نظيف يحتوي على نسبة ضئيلة من متبقيات المبيدات الحشرية حتي لا تتعرض صحته للخطر. ولذلك تعتبر فترة الأمان من أهم التعليمات التي يجب التنبه لها قبل البدء باستعمال أي مبيد على المحاصيل الزراعية.
وعليه،يمكن تعريف فترة الأمان أو فترة التحريم بانها الفترة الممتدة بين أحدث تاريخ لرش المبيد وصولاً الى الحصاد الآمن، ويطلق عليها فترة التحريم كونها فترة يحرّم فيها على الإنسان تناول المنتج المرشوش بشكل قطعيّ خوفًا من الأثر المتبقي للمبيدات في هذه المنتجات الذي قد يؤدي إلى الكثير من الأمراض في حال اذا تم تناولها.
وقد تختلف فترة الأمان من محصول الى آخر، ومن مبيد إلى آخر وفقًا للمدة الضرورية لتكسير المادة الفعالة للمبيد وزوال فعاليتها السامة. ولكل مبيد جدول يحدّد هذه المدة المحرمة التي قد تمتد من يوم واحد حتى ٢١ يومًا، مع العلم أنّ أغلب المبيدات تمتدّ فترة سماحها بين أسبوع وأسبوعين.
وعدم الالتزام بفترة التحريم وحصاد المحاصيل قبل انقضائها يؤدي الي وجود كميات كبيرة من متبقيات المبيدات والتي تؤدي الي الكثير من الامراض كالعمي والسرطان وامراض الكبد والجهاز العصبي ويمكن ان تؤثر علي المدي البعيد علي الانجاب وارتفاع مستوي الكوليستيرول في الدم و ارتفاع الوفيات في الاطفال بالاضافة الي العديد من الخلل في الجينات والتمثيل الغِذائي.
وهناك العديد من العوامل التي تؤثر علي امتصاص واختراق وتكسير المبيدات الحشرية في المحاصيل الغذائية والتي تختلف من طعام لاخر. ويعتمد بقاء بعض المبيدات الحشرية في الاطعمة بشكل اساسي علي خصائصه الفيزيائية-الكميائية بالاضافة الي نوع الطعام.
فنجد في الخضروات والفاكهة ان معظم متبقيات المبيدات توجد في القشرة الخارجية. ولهذا السبب يمكن التخلص من اغلبية المتبقيات بالغسيل الجيد او التقشير او استخدام المواد الكيميائية مثل الخل وبيكربونات الصوديم و الملح. وقد يوجد بعض الكميات الضئيلة من المتبقيات داخل الثمار.
ووجود متبقيات المبيدات في العصائرالمُصنعة من الفاكهة يعتمد علي خصائص المبيد علي سبيل المثال وجود المبيدات المحبة للدهون (lipophilic) يكون ضعيف جداً في العصائروتكون اغلب المتبقيات في مخلفات التصنيع كالقشور.
بالنسبة للخضروات الورقية يكون تركيز المتبقيات في الاوراق الخارجية اكثر منه في الاوراق الداخلية. ويعتمد انتقال بقايا المبيدات الحشرية من الشاي المجفف (المُصنع) إلى مشروب الشاي المنقوع على قابلية ذوبان المبيد في الماء ومعامل التقسيم وضغط بخار الماء.
بالنسبة للحبوب نجد ان بقايا المبيدات الحشرية تتركز في الطبقة الخارجية مما يجعل الطحن وعمليات التصنيع المشابهة لها ذوتأثير فعال في التخلص من بقايا المبيدات الحشرية. وقد وجد ان تركيز المتبقيات في الردة اكثر من 2 الي 6 مرات عنه في القمح.
ولم تَسلم المنتجات ذات الاصل الحيواني من التلوث بالمبيدات الحشرية نتيجة لوجود بقايا المبيدات الحشرية في البيئة والمياه وطعام الحيوانات. وقد وُجد ان الالبان ومنتجاتها عرضة للتلوث بقايا المبيدات الحشرية نتيجة تلوث طعام الحيوانات. وتكون بقايا المبيدات الحشرية اكثر ارتباطاً بجزيئات الدهون وعليه وُجد ان تركيز المتبقيات في منتجات الالبان عالية الدهن (مثل الجبن والزبد والسمن) اعلي منه في اللبن السائل.
وبالمثل في اللحوم توجد المتبقيات في الاجزاء الغنية بالدهون. وفي البيض وجد ان المتبقيات القابلة للذوبان في الدهن (Fat-soluble) تكون اكثر تركيزاً في صفار البيض عنه في البياض. بينما المتبقيات القابلة للذوبان في الماء (water-soluble\ polar) يكون تركيزاها في بياض البيض اعلي منه في الصفار.
ونجد أيضاً أنه قد يحدث تلوث للمياه من بقايا المبيدات الحشرية. وتميل المبيدات الحشرية القابلة للذوبان في الدهون (مثل المبيدات العضوية الكلورنية) الي الالتصاق بالمواد العضوية العالقة بالمياه التي تستهلكها اللافقاريات الصغيرة. والتي بدورها يتغذي عليها الاسماك مما يؤدي الي تلوث انسجة السمك بمتبقيات المبيدات بالاضافة الي امتصاص السمك مباشرة لبقايا المبيدات من المياه الملوثة المحيطة بالسمك. وقد وُجد ان تركيز المبيدات الحشرية في الاسماك اعلي من 10 الي 10,000 مرة عن تركيزه في المياه.
وقد وُجد ان عمليات تحضير وتجهيز واعداد الاطعمة لها دوركبير في التأثير علي بقايا المبيدات الحشرية. علي سبيل المثال غسيل الخضروات والفاكهة قبل تناولها يساعد علي التخلص من اغلب المبيدات الحشرية الملتصقة بالسطح الخارجي، والغسيل التقليدي بالماء والملح يقلل الحمل البكتيري في السطح الخارجي وكذلك يقلل بقايا المبيدات الحشرية. كما ان استخدام عدة طرق معاً كالغسيل والتقشير والطهي يقلل بقايا المبيدات. وقد اثبتت الابحاث ان تقشير الفاكهة يساعد علي التخلص من 100 % من بقايا المبيدات الحشرية في كل الحالات التي خضعت للدراسة.
وبدراسة اثر المعاملات الحرارية المستخدمة اثناء التصنيع (كالبسترة، الغليان، والطهي) علي بقايا المبيدات الحشرية. وُجد انها لها تأثير علي تقليل بقايا المبيدات ويمكن ان يرجع ذلك لامكانية تكسيرها بالحرارة، او تبخيرها او تكثيفها بالحرارة وتختلف حسب الخصائص الكيميائية للمبيد. كما ان عمليات التجفيف والتعليب تقلل من بقايا المبيدات الحشرية.
إن استخدام المبيدات الحشرية لإنتاج الغذاء يجب أن يتوافق مع الممارسات الزراعية الجيدة بغض النظر عن الوضع الاقتصادي للبلد. ويجب على المزارعين الحد من كمية المبيدات المستخدمة إلى الحد الأدنى اللازم لحماية محاصيلهم. ومن الممكن أيضًا، في ظل ظروف معينة، إنتاج الغذاء دون استخدام المبيدات الحشرية.
وتكمن المشكلة الرئيسية للمبيدات الحشرية في انها احد الأسباب الرئيسية للوفاة، خاصة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وتهدف منظمة الصحة العالمية الي حظر المبيدات الحشرية الأكثر سمية للإنسان، وكذلك المبيدات التي تبقى في البيئة لفترة طويلة؛ لحماية الصحة العامة بوضع الحدود القصوى لبقايا المبيدات في الغذاء والمياه.
ويشير تقرير منظمة الصحة العالمية (WHO) و برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNCEP) الي ان معدل الوفيات بسبب المبيدات في الدول النامية أعلى بـ 13 مرة عنه في الدول المتقدمة بسبب الاستخدام غير السليم أو العشوائي للمبيدات الحشرية.
وقد اشارت العديد من الابحاث أن المبيدات الحشرية ليست مميتة للانسان عند التعرض لجرعات عالية نتيجة التسمم الحاد فقط (Acute toxicity) ولكن ايضا عند التعرض لجرعات منخفضة وكذلك عند خلط المبيدات الحشرية. وقد يؤدي التعرض لفترات طويلة (Chronic toxicity) إلى مجموعة من التأثيرات الصحية المختلفة بما في ذلك السرطان والأمراض العصبية والتأثير علي الصحة الانجابية وعلي الجهاز الدوري والجهاز التنفسي واضطراب الهرمونات بالاضافة الي التأثيرات التنفسية كما توضح الصورة التالية.
وللتقليل من اثار المبيدات الحشرية يجب ان تكون الاغذية مطابقة للحدود القصوي المسموح بها (MRL) من المبيدات الحشرية.كما يجب على الأشخاص الذين يستخدمون المبيدات الحشرية عند زراعة المحاصيل اتباع تعليمات الاستخدام والتركيزات المُوصي بها وحماية أنفسهم من خلال ارتداء القفازات وأقنعة الوجه عند الضرورة. كما يمكن للمستهلكين أيضًا الحد من تناولهم لبقايا المبيدات الحشرية عن طريق تقشيرو غسل الفاكهة والخضروات جيداً قبل تناولها، مما يقلل أيضاً من المخاطر الأخرى التي تنتقل عن طريق الأغذية مثل البكتيريا الضارة.
ونستنتج مما سبق ذكره أن المبيدات الحشرية تمنع خسائر كبيرة في المحاصيل، وبالتالي ستستمر في لعب دور في الزراعة. ومع ذلك، فإن آثار التعرض للمبيدات الحشرية على الانسان والحيوان والبيئة تشكل مصدر قلق مستمر.
وتشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) إلى أن 80% من الزيادة في إنتاج الغذاء اللازمة لمواكبة النمو السكاني في البلدان النامية، من المتوقع أن تأتي إما من الزيادات في المحاصيل و/أو عدد المرات. ويمكن زراعة المحاصيل كل عام على نفس الأرض. ومن المتوقع أن يأتي 20% فقط من الإنتاج الغذائي الإضافي من التوسع في الأراضي الزراعية.
المراجع:
Ansari, I., El-Kady, M. M., Arora, C., Sundararajan, M., Maiti, D., & Khan, A. (2021). A review on the fatal impact of pesticide toxicity on environment and human health. Global Climate Change, 361-391.
Armenova, N.; Tsigoriyna, L.; Arsov, A.; Petrov, K.; Petrova, P. Microbial Detoxification of Residual Pesticides in Fermented Foods: Current Status and Prospects. Foods 2023, 12, 1163. https://doi.org/ 10.3390/foods12061163
Bajwa U, Sandhu KS. Effect of handling and processing on pesticide residues in food- a review. J Food Sci Technol. 2014 Feb;51(2):201-20. doi: 10.1007/s13197-011-0499-5. Epub 2011 Aug 26. PMID: 24493878; PMCID: PMC3907644
MacLachlan, D. J., & Bhula, R. (2008). Estimating the residue transfer of pesticides in animal feedstuffs to livestock tissues, milk and eggs: a review. Australian Journal of Experimental Agriculture, 48(5), 589-598.
National Pesticides Information Center (2023): http://npic.orst.edu/health/animhealth.html
World Health Organization (2023): https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/pesticide-residues-in-food
Comments are closed.